المادة    
السؤال: حصل لبسٌ لدى بعض الدعاة في بعض البلاد الإسلامية حول حقيقة الرئيس العراقي، وما قام به من عدوان غاشم على الكويت, وتهديد لدول المنطقة، ثم غلف ذلك بدعاوى إسلامية جهادية باطلة أرجو التكرم بإعطاء صورة متكاملة عن حقيقة هذا الرجل وتوجهاته.
الجواب: الحمد لله، ما يتعلق بطاغوت العراق: لم يكن عندنا -ولله الحمد- في أي يوم من الأيام شك في أنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، هذا الرجل من حزب البعث العربي الاشتراكي كما يسمونه، وهذا الحزب حزبٌ علماني مرتد أسسه رجل نصراني يدعى ميشيل عفلق.
والحمد لله منذ أن اطلعت على أفكار هذا الحزب وعلى آرائه ونظرياته الفلسفية قديماً، لم يكن لدي أي شبهة أو شك في أن من ينتمي إلى هذا الحزب وهو عارف وعالم بعقيدته كافر مرتد لا حظ له في الإسلام وإن صلّى وصام وزعم أنه مسلم! فكيف وهم يحاربون الصلاة والصيام والتقوى والجهاد؟!
كتبت ذلك في كتاب العلمانية قبل حوالي ثلاث عشرة سنة، وكلكم أو أكثركم قد قرأه أو رآه، وتحدثت عن ذلك مراراً، ولكن أذكركم لعلكم ترجعون إليها ولمن لم يكن منكم حاضراً: عندما هلك ميشيل عفلق منظّر الحزب بـبغداد عند التلميذ البار، ومات ذلك المعلم الخبيث المجرم, أشيع مما أشيع أنه أسلم أو أنه يريد أن يسلم، فعلقت على ذلك تعليقاً طويلاً، وقلت مما قلت: '' إنه من خلال العقيدة التي نحن -والحمد لله- متمسكون بها وقرأناها وتعلمناها ونعلمها, نعتقد جزماً أن هؤلاء البعثيين مرتدون كفرة، وأنه من انتقل من النصارى مثل ميشيل عفلق أو طارق عزيز أو أمثالهم، من انتقل من النصرانية إلى البعثية فإنه لا يقر على ذلك، وقد نقض العهد والذمة التي مع المسلمين.
لأنه كما نص العلماء إذا انتقل الإنسان من المجوسية أو من الدهرية أو من أي مبدأ من مبادئ الشرك كـالهندوسية أو البوذية إلى دين من أديان أهل الكتاب، أقر على ذلك وإن كان كفراً لا يقبل؛ لأنه انتقل من دينٍ إلى دين هو خير من دينه الذي كان عليه.. أما إذا انتقل من النصرانية أو اليهودية إلى أن يكون زنديقاً أو مجوسياً، فإنه لا يقر على ذلك.. '' فهؤلاء لا يقرون -مع أنهم نصارى كفار- على اعتناق البعثية؟! لا يقرون على تركهم النصرانية واعتناقهم للبعثية, فكيف يقر المسلم الذي يدعي أنه مسلم؟! أين الإسلام من هؤلاء القوم؟! قوم لا يحكمون بما أنزل الله!! لا يقام حد من حدود الله في ظل حكمهم أبداً!! أين هم من كتاب الله؟! أين هم من الإسلام؟ قوم يحاربون الدعوة والدعاة! يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه.
وقد ذهبنا مع عدد من الإخوان من الجامعة في رحلة علمية إلى العراق, ورأينا الشيء العجيب منذ سنين قبل أيام البكر وقد اشتد الأمر بعد ذلك جداً في أيام هذا المجرم الطاغوت المعاصر صدام.
تدخل معظم المساجد فلا نجد فيها مصلين, وأذكر أن واحداً منها يسمى جامع الخلفاء, دخلناه فما وجدنا فيه إلا مؤذناً كبير السن أذن وانتظر, فصلينا نحن الثلاثة، فإذا كل البلد شعارات.. أقمشة معلقة, ومكتوب عليها شعارات ماركسية ولينينية من نفس الشعارات الشيوعية التي لا يوجد نظيرها إلا فيما كان يعلق في روسيا، أو ألمانيا الشرقية، أو ما أشبهها من الدول الشيوعية! أي إسلامٍ لدى هؤلاء؟! كان الذي يتهم بأنه ينتسب إلى جماعة إسلامية يقتل أو يحكم عليه بالسجن المؤبد.. وما أكثر من قتل! وما أكثر من هم في سجنه ولا يزالون في سجنه, بتهمة أنهم دعاة يدعون إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا جريمة لهم ولا ذنب لهم إلا ذلك.
نعم كنا نقول ذلك والحمد لله، وجاءت الأحداث الأخيرة فأكدت ما كنا نقول؛ لأن المعيار الواضح معيار العقيدة الصحيحة لا يضل ولا يخطئ بإذن الله عز وجل، ولا يرجى -والله- من المجرمين والمرتدين, أي خير أبداً مهما كان.
أنا أقول (عن نفسي): كنت مرتاحاً للمساعدات التي كانت تقدم له؛ لأنه كان يقف في وجه المد المجوسي.. المد الرافضي الذي كان يريد أن يلتهم الأخضر واليابس.. لكن كنت أريد وأدعو وأتمنى أن ترتبط المساعدات التي تعطى له والمبالغ الكبيرة التي تعطى له بأن يُدعى إلى الله وإلى تحكيم شرع الله.. كنت أريد ذلك، ويشهد الله أنني كنت أتألم وأحزن عندما أجد بعض علماء المسلمين يزورون بغداد، ثم يتكلمون عنه في مقام الثناء والمدح، ونحن نعلم كفره وضلاله وزندقته وإلحاده.
أما الحداثيون والعلمانيون الذين كانوا ينشدون ويغنون ويطبلون ويزمرون لبطولات صدام في مهرجان المربد وغيره أو في الصحافة هنا أو في أي مكان، فيشهد الله أنني كنت أمقتهم وأبغضهم أبرأ إلى الله منهم، ولا أزال.
وإنني أعلم أن هؤلاء من أخبث الناس على وجه الأرض، وأنهم هم الطابور الخامس لكل ضلالة، ولكل زيغ وزندقة وإلحاد، وأنه يجب القضاء على أمثال هؤلاء؛ لأنهم خرجوا عن معيار العقيدة بالكلية، بخلاف الإنسان الذي لا يعرف كفره، فهذا أمرٌ قد يعذر به الإنسان، لكن الذين كانوا يطبلون ويزمرون له أو يدافعون عنه، هذا موقفنا منهم سابقاً.
فجاءت الأحداث فزادتنا إيماناً ويقيناً وتأكيداً بأنه لا خير فيهم، وأنه لا صلة لهم بالإسلام من قريب ولا بعيد، وأما إن كان بعض الناس خدعهم بدعاوى الجهاد سبحان الله وأي جهاد، وأين جاهد؟! أما أن بعض الناس قد أيدوه أو قاموا بتأييده, فهذا لا شك أنه خطأ عظيم فادح إن لم أقل أكثر من ذلك.
وأعني بذلك أن هذا يدخل في باب الردة -والعياذ بالله- فمن نصره أو شجعه أو أيده أو أثنى عليه، وهو يعلم كفره وإلحاده وبعثيته وزندقته, فإنه يخشى عليه الردة والعياذ بالله؛ لأنه لا يوالي الملحدين والمرتدين إلا من كان مثلهم! نسأل الله العفو والعافية.
فليتق الله أولئك الذين يطبلون ويزمرون بغير هدى من الله وبغير علم.. عجباً والله! لو لم يكن منه إلا الظلم! اجتاح بلدة آمنة على ما فيها, ومهما كان الأمر فلا يجوز له أنه يعتدي، وأن ينتهك الأعراض، وأن يسفك الدماء وأن يفعل ما فعل!! بغض النظر عن الخلافات التي كانت، ولكن أن يفعل ذلك أحد ثم يعان وينصر!! هذا والله لا يجوز ولا يليق بمسلم! فكيف وهو كافر ملحد مرتد والعياذ بالله؟! كيف وهو لا يسمح لجيشه بأن يؤدي الصلاة؟! واسألوا إن كنتم تجهلون.. لا يسمح في ذلك الجيش لإنسان أن يلتحي وأن يؤدي الصلاة!
بل في الأيام الأخيرة وخاصة بعد أن أصبح الحرس الحربي الذين يسمونه الحرس الجمهوري, -وهم متشبعون بأفكار الحزب- أصبح هو المسيطر على الكويت.. اشتدت الوطأة على الناس هنالك، وأخبرنا الثقات الذين جاءوا في هذه الأيام أن الوطأة اشتدت حتى أنهم يفتشون الشباب، فإذا رأوا الشاب الملتحي, فإما أن ينتفوا لحيته أو يأمروا بحلقها، بل بعضهم يحرقها بالولاعات!! هكذا أخبرنا الثقات!! أي حظ لمثل هذا في الإسلام؟! لا والله، بل من كان أقل منه كفراً، وهو خارج عن ملة الإسلام، من كان بعثياً وإن لم يرتكب هذه الشنائع المكفرة، فإنه لا حظ له في الإسلام إلا بأن يتوب إلى الله ويتبرأ من هذا الحزب الكافر الملحد المرتد.
فخطأٌ كبيرٌ جداً ما وقع فيه كثيرٌ من الدعاة، ومع الأسف أنهم ينتسبون إلى الدعوة، وما أدري كيف خدعوا؟ وإن كنت أدري من جهة أن الدعوات التي لا تقوم على العقيدة الصحيحة وعلى المنهج الصحيح تسيرها الأحداث ولا تسيرّ هي الأحداث، فكل من أيدهم من هؤلاء الدعاة فإنما وجدوا أن الناس بطبيعتهم يندفعون إلى أن يكونوا مع من تكلم أو عادى أمريكا وإن كان كاذباً في ذلك، مع كل من يرفع شعاراً لمعاداة إسرائيل وإن كان فاجراً في ذلك، فكانوا هم مع العامة.. سبحان الله! كمال أتاتورك ماذا قالوا فيه؟ يقول أحمد شوقي:
الله أكبر كم في الفتح من عجب             يا خالد الترك جدد خالد العرب
هزم الحلفاء وحرر الأناضول, وفعل ما فعل من بطولات مفتعلة، وإذا به ينقلب فيلغي الخلافة، ويلغي الأذان باللغة العربية، ويلغي الحروف العربية، ويمنع الحجاب، ويفعل الأفاعيل المكفرة التي تعلمونها جميعاً.
وجمال عبد الناصر كان يرفع شعار العداوة لـأمريكا، ولإسرائيل، ويقذف بها في البحر ويفعل ويفعل!! وكان ما تعلمون من كفره وإلحاده، فمتى يستيقظ هؤلاء الدعاة؟! ومتى تستيقظ هذه الأمة النائمة التي لا تزن الأمور بميزان العقيدة الصحيحة وبميزان الشرع وبميزان العلم الشرعي الصحيح؟! متى يفيقون؟! ومتى يعرفون الحق؟ ومتى يعلمونه حتى يكونوا دعاةً بحق! يعلمون الناس الحق؟!
وفي هذا عظة وعبرة لنا جميعاً، أن نعلم الناس دائماً هذه العقيدة الصحيحة: الولاء لمن يكون، والعداء لمن يكون، ليس لمن نريد نحن، أو من لمن تريد الجماهير، بل كما يريد الله عز وجل أن نكون قوامين بالقسط شهداء لله، نصف كل أحد بما وصفه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا بما يتعلق به، وأرى أن كلامي لعله صورة متكاملة كما طلب الإخوان عنه، ولعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ييسر فنعطيكم إن شاء محاضرة أو أكثر مفصلة عن عقائد هذا الحزب وأعماله.